الأربعاء، 5 يوليو 2017

حتشبسوت أشهر ملكات التاريخ .. والسر كله.. في قنينة عطر

حتشبسوت، إحدى أعظم ملكات مصر القديمة، والسيدة الحاملة للقب فرعون لأطول مدة بين الفراعنة الإناث اللاتي حكمن آنذاك.

هي ابنة الفرعون تحتموس الأول، وزوجة تحتموس الثاني (الذي كان أيضاً شقيقها من أحد الوالدين). وبعد وفاة زوجها، كانت الوصية الشرعية على الفرعون تحتموس الثالث (ابن تحتموس الثاني) قبل أن تعيّن نفسها فرعوناً وتتولى حكم البلاد.
ولا ننسى أنّ سلالة عائلة حتشبسوت تمتد لاحقاً إلى أخناتون وتوت عنخ آمون.

بقيت مومياء الملكة ضائعةً لفترة طويلة قبل أن يتم اكتشافها عام 1903م من قبل Howard Carter، ومن ثم تتم دراستها وتحديد هويتها عام 2007م. إلا أن الهوية لم تكن هي الوحيدة التي اكتُشفت، فإضافةً لإصابة وجه المومياء ورقبتها بمرض جلدي، تبيّن أن الملكة عانت من السرطان بعد وجود نقائل سرطانية مترسبة (metastatic deposit) في عظم الحوض لديها. وبعد التأكد من ان المومياء ماتت ميتة طبيعية، أي ليس قتلاً، بقي السؤال الأهم: ما هو السبب الأساسي وراء موت حتشبسوت؟

أتى الجواب بشكل قاطع على شكل قنينة عطر بسيطة من بين مقتنيات الملكة حتشبسوت، والقنينة عبارة عن إحدى الآثار الباقية والموجودة ضمن ممتلكات المتحف المصري في جامعة بون الألمانية. وعلى الرغم من مرور 3 آلاف سنة ونصف، فإن بعض أوعية الملكة احتفظت حتى هذه اللحظة بالسر المميت.


بعد سنتين من دراسة مومياء الملكة وجد أحد دكاترة الجامعة، أستاذ علم الأدوية د. هلموت ڤيدنفيلد Helmut Wiedenfeld، أنّ القنينة لم تحوِ عطراً داخلها؛ إنما كان نوعاً من غسولات العناية بالبشرة (لوشن)، وبشكل أدقّ دواء للملكة التي عانت من الأكزيما، إضافة لاحتواء القنينة على مادة عالية التسرطن! فهل قُتلت حتشبسوت بدوائها الخاص؟

منذ أن تولى البروفيسور مايكل هوفيلير ميللر Michael Höveler-Müller مسؤولية المتحف المصري في الجامعة قرر أن يتفحّص الأوعية الرقبية العائدة للملكة بالأشعة المقطعية. كانت الأوعية الرقبية للفرعونة مسدودةً بما وُصف سابقاً بالأوساخ أو الأتربة،إلا أن البروفيسور توقع أن تكون تلك سدادة طينية قديمة لحفظ الجثة، وبالتالي من المتوقع أن تكون بعض أجزائها لا زالت داخل الأوعية.

تم تعريض قنينة العطر بدورها للأشعة المقطعية، وكانت شكوك عالم الحفريات المصرية في مكانها، فالسدادة لا زالت سليمة، وهنالك بقايا من مادة سائلة قد جفت داخل الأوعية. أُخِذت بعضُ العينات من المادة باستخدام منظار خاص، وتمت دراستها.

المادة ذات خصائص زيتية لا تسمح بكونها عطراً:

بتحليل العينة وصولاً إلى مكوناتها الأساسية، حملت العينة كمياتٍ كبيرةً من زيت النخيل وزيت جوزة الطيب، وقد صرح البروفيسور "لا أعتقد أن أحداً قد يضع تلك الكمية الكبيرة من الزيت على وجهه، وإلا لأصبح وجهه دهنياً أكثر من طبق من اللحم". كما أن العلماء وجدوا مادتين مضافَتين كشفتا الغرض من هذا المزيج، حيث اكتُشِفت مجموعةٌ من الحموض الدسمة غير المشبعة التي كانت تستخدم لتخفيف الألم لدى الأشخاص الذين عانوا من الأمراض الجلدية وقتها، خصوصاً أن عائلة الفرعونة كانت معروفة بتاريخ حافل من الأمراض الجلدية كالصداف وغيره، والمعروفة بانتقالها وراثياً.

مجموعة أخرى من المكونات التي تم تقصّيها أشارت إلى أنّ المادة لم تُعطِ أي رائحة جذابة، وإنما كانت تستخدم لتخفيف الحكة.

وجد خبراء الأدوية العديد من الكربوهيدرات المشتقة من الكريوسوت creosote والأسفلت، وحتى يومنا هذا فالكريمات الحاوية على الكريوسوت داخلها تستخدم لمعالجة الأمراض الجلدية المزمنة. ونظراً للتأثيرات المسرطنة المحتملة للكريوسوت، فقد تم منع استخدامها في مستحضرات التجميل، وعلى نطاق أوسع. فالأدوية الحاوية على الكريوسوت في تركيبها، مُنع بيعها مؤخراً إلا بوصفة طبية.

"كلام علمي، كيميائي":
ما وجده خبراء الأدوية ضمن قنينة حتشبسوت الصغيرة تحديداً هو مركب "بنزو ألفا بيرين" وهو هيدروكربون عطري "أروماتي" شديد الخطورة يتكون من العديد من الحلقات الكربونية. ويُعدّ "بنزو ألفا بيرين" أحد أشد المواد المسرطنة خطورة، فعلى سبيل المثال، ينجم سرطان الرئة الذي يصاب به المدخنون عادة بشكل أساسي عن وجود هذه المادة!

هل كان هذا الغسول هو سبب موت حتشبسوت بالسرطان؟

هل سمّمت حتشبسوت نفسها باستخدامها للغسول دون أن تدري؟

هنالك العديد من الفرضيات قبل أن نغلق القضية. لنفترض أن الملكة كانت تعاني من مرض جلدي مزمن، ووجدت في هذا المرهم علاجاً بسيطاً ومريحاً فربّما تكون قد عرّضت نفسها لخطورة شديدة مع مرور السنين. ومن المعلوم لدى العلماء منذ زمن طويل أن حتشبسوت الملكة توفيت بسبب السرطان. لكن هل كان هذا الدواء تحديداً هو السبب المباشر؟ هذا ما اختلفت عليه الدراسات الحديثة.. وإلى أن يُقطع الشك باليقين، تبقى قنينة العطر هي الجواب الأكثر قابلية للتصديق.