السبت، 10 يونيو 2017

اسطورة الملك اوديب حفيد قدموس الأعظم.. اكتشفوها الان

بعد قراءتنا لقصة قدموس وسوءِ الطالعِ الذي رافقه، سنتابع في السّلالةِ لنصلَ إلى الملك أوديب حفيدِ قدموس الأعظم، الذي لم يعاني أحدٌ من الألمِ مثلما عانى.


فقد تزوّج لايوس، وهو الثالث من سلالة قدموس، بابنةِ عمٍّ بعيدةِ النّسبِ هي جوكاستا وتحكي الأسطورةُ قصةَ النبوءةِ التي تلقّاها لايوس من الألهة من أنّ ولداً من صُلبه سيولد وسيقتله حتى يشبّ ويتزوّج أمه جوكاستا. وهكذا حين وُلِد لهما صبيٌّ قرّرا التخلّصَ منه على الفورِ فسلّمَه الملك لأحد أتباعِه لكي يُلقي به في العراء حتى يموت، لكنّ التابعَ أخذَته الشفقةُ على الوليدِ فسلّمه إلى راعٍ من مدينة كورنثة الذي بدوره أخذَه إلى بوليبوس ملك المدينة الذي لم يكن هو وزوجتُه ميروبي قد رزقا بذريةٍ بعد. فربياه كإبنٍ لهما تحت اسم أوديب، ولكن عندَ بلوغِه يُلمَّح له من بعضِ الشبابِ أنّه ليسَ ابناً حقيقياً لوالديه، فيذهب إلى دلفي ليتعرّف سرّ مولدِه ولكنّ النبوءة بدلاً من أن تروي عطشه إلى الحقيقة تذكُر له أنّه سيقتل أباه ويتزوّج أمَّه، فغادر كورنثة هرباً من قدرِه وهو مايزالُ يعتقدُ أن بوليبوس وميروبي هما والداه. وهنا نجد أنّ أوديب كان يعاني من قلقٍ دائمٍ وهو القلق القديم المتعلق بتلك النبوءة المشؤومة فهو حتى الأن لم يقتل أباه ولم يتزوّج أمه ولكنّه قدرٌ لا مفرَّ منه.

وعند مفترق طرقٍ أحدُها إلى طيبة صادفته عربةٌ فيها راكبٌ وبعض أتباعه، فتشاجر أوديب معهم وتلقّى إهانةً قتلَ على إثرها راكبَ العربة وأتباعِه باستثناءِ واحدٍ يلوذُ بالفرار. وهنا يكون أوديب قد قتل أباه الحقيقي لايوس محققاً النصف الأول من النبوءة.

وحين وصل إلى أبواب طيبة وجد مخلوقاً أسطورياً نصفُه بشرٌ ونصفُه لبؤة هو ابو الهول، الذي فرضَ لعنتَه على المدينة وألقى على القادمين إليها لغزاً إن لم يحلّوه قتلهم. ولكنّ أوديب حلَّ اللّغز الحلَّ الصائبَ وهذا الأمر كان لابدّ أن يؤدّي إلى موتِ المخلوق، فقد سأله " مَن المخلوق الذي يمشي على أربع صباحاً وعلى اثنين ظهراً وعلى ثلاثة مساءً؟ " فأجاب أوديب إنه الإنسان فهو في طفولته يزحف على يديه ورجليه، وفي رجولته يسير على قدميه مستقيماً، وفي شيخوخته يستعين بعكازة. وبذلك أنقذ أوديب طيبة من محنتها فنصّبَهُ أهلُها ملكاً عليها وزوجوه أرملةَ الملكِ الرّاحل وهي أمه فعلاً.

وبعد أن أنجبَ منها صبيين وابنتين حلّت اللّعنة من جديد على طيبة فأصابها الجفاف الذي يقضي على الزرع والوباء الذي يعقم النساء، عندئذٍ أرسلَ كريون شقيق جوكاستا إلى دلفي طلباً لمساعدة الألهة فعادَ بأنباء بأنّ الوباءَ لن يرحل إلا إذا عوقبَ قاتل لايوس، وتابع أوديب القضيّة بكلّ قوته وأرسل وراء ترسياس العرّاف الأعمى، الذي تردّد قليلاً في الإجابة ثم أخبرَه بأنّه هو نفسُه من قتلَ لايوس وهنا يظهرُ الرّاعي الذي يشهدُ بأنّه لم يقتل ابن لايوس بل سلّمه إلى راعٍ سلّمه بدورِه إلى ملك كورنثة. وهكذا تنكشّف الحقيقة المُرّة التي كان أوديب هو محورها الأساسيّ دون أن يدري، فتشنق جوكاستا نفسها ويفقأ أوديب عينيه لألى يرى العار الذي صنعَه.

وهكذا نجد أن أوديب القوي والضعيف في مجتمعٍ لا يحبّ النور والحقيقة يُكافأ بفقء عينيه ويبقى أعمىً لايرى، لكنه يصبح أكثر بصيرةً كتريسياس العرّاف، فعماه الحسّي هنا عمىً مجازيّاً في مجتمعه، فترسياس وأوديب شخصيّتان مكمّلتان لبعضهما في الأسطورة حيث أنّ ترسياس يعني الحاضر وأوديب يمثل الماضي، والمقارنة بينهما ما هي إلا الفارق بين البصيرة والبصر أو الآلهة والإنسان، ولا يمكن للإنسان تجاوز نظامه إلا بالتضحية.

وبما أنّ شخصية أوديب من أعمق الأساطير وأغناها بالدلالات و المعاني، فقد قام سوفوكليس بتقديم شخصية أوديب إلى المسرح في "أوديب ملكا" التي عدّها أرسطو نموذجاً للمسرحية الكلاسيكية الجيدة، وعالجها كتّابٌ من الإغريق والرومان وشعوب كثيرة متفرقة في أنحاء العالم، قدّمت أوديب على شكل حكايةٍ أو أنشودةٍ بطوليةٍ وإن اختلفت تسميته.

كما قام فرويد وأتباع المدرسة التحليليّة بدراسة بطلِ الأسطورة وربطه بسيكولوجيا الإنسان المعاصر وحالته النّفسية منذ الطفولة، فكانت أسطورة أوديب هي النموذج البارز لطريقة فرويد في تفسير الأساطير. فقد افترضَ فرويد أنّ هنالك دوافعٌ لاشعوريةٌ متعلقة بغشيان المحارم والحقد النابع عنها على الأب المنافس يمكن إيجادها في كل طفل ذكر. وبحكم عدم وجود ما يثبت ذلك في الأسطورة فقد عارض أريك فروم فرويد في تحليله قائلاً بأنه لا يوجد ما يثبت تتيم أوديب بجوكاستا فزواجه بها ليس إلا عنصراً ثانوياً يرمز لانتصار الابن الذي يحل مكان الأب في امتيازاته كما يرى فروم.

"إلى سرير رهيب
ربطتني المدينة . واويلتاه
وما من أحد احس باللعنة"

إذاً نجدُ أنّ مناهضة السلطة الأبويّة المطلقة هي الموضوع الأساسي وأن منشأ هذا الصراع يعود إلى عهدٍ بعيدٍ، إلى الصراعات القديمة بين النظام الإجتماعي الذي يمثل سلطة الأب والنظام الإجتماعي الذي يمثل سلطة الأم.

من الناحية التاريخية تُقدّم لنا أسطورة أوديب الأصلية بمختلف صياغات الأسطورة في اليونان والتي بنى عليها سوفوكليس مسرحيته دليلاً مهماً، ففي مختلف صياغات الأسطورة كان لشخص أوديب دائماً علاقةً بعبادةِ آلهات الأرض الممثلات لدينٍ أمومي ففي كولونس بالقرب من أثينا حيث وجد أوديب مثواه الأخير كانت لديمتري ربة الزراعة والأرض عند اليونانيين، وربّاتٍ أخرياتٍ معبداً قديماً وأغلبَ الظنّ أنّه كانَ موجوداً قبل نشوء أسطورة أوديب.

أما بالنسبة لطبيعة سؤال أبي الهول لأوديب فيؤكد باخ اوفين أن السؤال يُعرّف الإنسان من حيث وجوده المادي الأرضي وهذا يعني وجهات نظر متعلقة بنظام سلطة الأم. فهو توكيدٌ للذات بأن للإنسان أهميةٌ وشأنٌ يعود إلى مبدأ العالم الخاضع لسلطة الأم.

ويكتب سيغموند فرويد "إذا استطاع الملك أوديب أن يهز الإنسان الحديث ويؤثر فيه تأثيراً لا يقلّ عن تأثيره في الإنسان اليونانيّ المعاصر فالحلّ يمكن في أن يكون فقط في أن تأثير المأساة اليونانية لا يقوم على التضادّ بين القدر والإرادة الإنسانية، و يجب أن يكون هناك صوتاً في داخلنا