الجمعة، 19 مايو 2017

أسطورة الخلق النرويجية

سعى الإنسان منذ القديم لمعرفة علة الوجود ومصدر الكون الفسيح؛ فكانت الأسطورة تفسيرا بدائيا تتصارع فيه قوى خارقة وعناصر مختلفة لينبثق منها كون مترامي الأطراف، كما في أسطورة الخلق البابلية والإغريقية والكلتية وغيرها من أساطير الخلق والتكوين في الحضارات والثقافات القديمة التي قد تلتقي في بعض النقاط وتختلف في بعضها الآخر.


ومن بين تلك الأساطير كانت أسطورة الخلق النرويجية القديمة التي آمنت بها شعوب اسكندنافية قديمة كالفايكنج وغيرهم ممن قطن تلك البلاد في العصور القديمة والمتأخرة.

وكما جميع أساطير التكوين التي وصلت إلينا يبدأ الكون من فراغ عظيم هو الفوضى .

فقبل أن توجد الأرض أو أي شيء عليها كان هذا الفراغ العظيم من الظلمة والسكون المطلق يدعى Ginnungagap و يمتد بين عنصري النار Muspelheim والجليد Neflheim
ثم راح الجليد والنار يقتربان من بعضهما بعض حتى التقيا، فأذابت ألسنة اللهب الجليد ومن قطراته كان العملاق إيمير Ymir الذي كان وفقا للأسطورة إلها بدائيا عملاقا ثنائي الجنس.وبينما استمر الجليد بالذوبان ظهرت منه بقرة عظيمة تغذى عليها ايمير وهي بدورها كانت تتغذى على المياه المالحة من الجليد الذي ظلت تلعقه حتى تكشف منه بوري Buri الذي كان الأول من الآيسير وهم قبيلة من الآلهة البدائية، ثم ظهرت من الجليد أيضا زوجة بوري.

ثم كان لبوري وزوجه ابن اسمه بور Bor تزوج من بستلا Bestla ابنة بولذورن Bolthorn وكان لهم من الأبناء أودين الذي سيصبح زعيم الآلهة بعد أن ذبح ايمير بمساعدة أخويه فيلي وفي ومن جثة ايمير بني الكون.

فمن دمائه كانت المحيطات ومن جلده كان التراب والأرض ومن دماغه الغيوم ومن شعره كانت الخضرة والأشجار ومن عظامه نهضت الجبال ثم أمر أودين أربعة من الجن بحمل جمجمة ايمير فوق الأرض فكانت قبة السماء.

والتقط اودين بعضا من ألسنة اللهب من عنصر النار الأول وشكل منهما الشمس والقمر الذين راحا يتعاقبان في السماء حتى ذاب جليد الأرض ونمت الأشجار في الأرض وكانت أعظمها شجرة نمت في منتصف العالم ضاربة جذورها عميقا في باطن الأرض وارتقت عاليا حتى صارت أوراقها في السماء فشعر أودين بالرضى على العالم الجديد واطلق عليه اسم Midgard
وفي إحدى جولاته وجد أودين اثنتين من أشجار الدردار ساقطتين على الأرض فرفعهما ونحت منهما شكلي أول رجل وامرأة ثم منحهما الحياة والحواس من سمع وبصر وأطلق على الرجل اسم Ask وعلى المرأة اسم Embla وأسكنهما العالم الجديد محاطا بسور وسط العوالم المتوحشة الأخرى من عالم العمالقة والآلهة والعالم السفلي وغيرها من العوالم الماورائية.

ومن هذين الزوجين نشأ الجنس البشري الذي أصبح من مسؤوليته رعاية العالم بعد أن صعد الآلهة إلى عالمهم السماوي. ولكن لم يكن البشر في مأمن في جنتهم الأرضية فاثنتين من أخوات ايمير كانتا تبحثان عن فرصة للانتقام من قاتل أخيهما فالتقتا عند الشجرة العملاقة التي تمثل الحياة وراحتا ترسمان أقدار البشر على شكل خطوط على جذع الشجر يبدأ الخط بولادة الإنسان وينتهي بموته ويمر متعرجا مليئا بالمنحنيات كما هي حياة الإنسان وكان كل خط على جذع شجرة الحياة يمثل حياة إنسان وجد أو سيوجد على هذه الأرض وكان كل خط ينتهي يقطع عميق يمثل الموت.

كانت هذه الخطوط تعويذات قوية لم يستطع حتى أودين نفسه ان يوقفها أو يغير فيها وهكذا عرف الإنسان المعاناة والموت في هذه الحياة.

يبدو جلياً في نص الأسطورة تأثير البيئة الاسكندنافية على المضمون فنجد عناصر الجليد والنار بالإضافة إلى الخضرة والأشجار أساسا للوجود والحياة. ولكن على الرغم من ذلك تبقى للأسطورة سمات وجوانب عدة تقربها من كثير أساطير التكوين في الحضارات القديمة، فالكون يبدأ من الفوضى ثم تصبح جثة الإله الضحية أساسا ومصدرا لجميع عناصر الوجود كما في الأساطير البابلية والسومرية والإغريقية والصينية وغيرها من أساطير العالم القديم.