الاثنين، 16 نوفمبر 2015

لم تستطِع مقاومة جمال جسده... فأسقطته بعيونها الزرق



ما لا يسرد كلاميًّا، قد تحكيه نظرات العيون. هي نفسها تعطي انطباعًا إيجابيًّا عن إعجابٍ أو رغبةٍ في التعارف والتقارب، قد تنتج بحسب البعض، ويلاتٍ ومضار جمّة، في حال حدّق أحدهم نظره في الشيء. يعرف في هذا في لبنان، بمفهوم "صيبة العين"، حيث يتهم البعض الآخرين، في حال أصيب بأي عارضٍ صحيٍّ أو أصيبت أحد مقتنياته بضرر. العلاج لا يتبلور من طريق الأدوية والمسكّنات. بل يفضّل المتضرّر اللجوء الى أساليب غريبة وطقوس غير مفهومة. قد يسكبون الرصاص والشمع الساخن في المياه، للتخلّص من "العين" ويعود كلّ شيءٍ الى طبيعته. أو ينسبون الى شخصٍ ما تهمة إيذاء الآخرين، وفق حكمٍ مسبق دون دلائل، أو بسبب لون عيونه الزرق وأسنانه "الفِرق". أمّا السؤال الأمثل: هل فعلاً ثمّة ما يسمّى بصيبة العين؟ وكيف ينظر علم النفس الاجتماعي الى الموضوع؟

خلع قميصه وندِم

تجارب عدّة قد تصادفنا يوميًّا، فحواها "صيبة العين". وجود حالاتٍ متعددة كهذه تعزّزها النسبة الكبيرة من أبناء المجتمع اللبناني الذين يؤمنون بوجود عينٍ "فارغة" تؤذي بمجرّد النظر. تجربة مازن إحداها. تشرح والدته ما حصل معه أثناء ممارسته الرياضة على شرفة منزلهم، تقول: "كان مازن كعادته على الشرفة حيث يضع السواعد الرياضيّة لممارسة الرياضة بعد عودته من العمل، وقد خلع قميصه نتيجة الحرارة المرتفعة وشَرَع في حمل الأثقال. في هذه الأثناء كانت جارتي ذات العينين الزرقاوين تتأمّل منزلنا كعادتها، ولم تستطع حجب نظرها عن جسد ابني الرشيق". وتتابع "لاحظت ملامحها الغريبة التي تحدّق بابني الشاب، وحذّرته بضرورة الاحتماء من نظراتها قبل أن تلتقطه ذبذباتها". وتضيف: "المفارقة تكمن أنه، وبعد ساعاتٍ قليلة، أحس مازن بإرهاق وإعياء وصداعٍ في الرأس". وعن الحلّ الذي ابتكرته لمعالجة ابنها من طريق سكب الرصاصة، تقول: "أحضرت وعاء المياه وأسقطت رصاصةً وضعتها مسبقًا على النار بواسطة ملعقة، فدوّى صوتها في أرجاء المنزل". وتلفت إلى أن "النتيجة رُسمت في الرصاصة على شكل عين كبيرة، ما يثبت نظريّة أنّه كان يعاني صيبة عين أثّرت بصحّته. ولم تمضِ ساعة واحدة، حتى استعاد عافيته وكأن شيئًا لم يكن".

"العيون الزرق والأسنان الفرق"

"ما هي الحقيقة الكامنة وراء إيمان شريحة واسعة من المجتمع اللبناني بمفهوم صيبة العين؟" سؤالٌ طرحناه على الاختصاصيّة في علم النفس العيادي الدكتورة إليانا قاعي التي ترى أن "الناس الذين يؤمنون بصيبة العين هم أنفسهم الذين قد يؤمنون بالتبصير وعلم الغيب. هؤلاء غالباً ما يرفضون إلقاء اللوم على أنفسهم في الأمور الحياتيّة التي تصيبهم، ويفضّلون تحميلها إلى الآخرين والهروب من منطق الفشل والعجز". والأمر يشبه "مسألة لجوء الأهل إلى لوم زميل ولدهم في المدرسة الذي يغار منه، ويحسده على ذكائه، الأمر الذي تسبّب برسوبه في الدراسة".

"لماذا العيون الزرق والأسنان الفرق هي الصفات المتهمة بصيبة العين؟"، تقول: "هذه المقولة مجرّد قصّة تاريخيّة عن امرأة، قد يعتقد أنها تتمتّع بقوّة معيّنة تقرب من الشعوذة، تؤثّر في الآخرين وتؤذيهم، ما نتج من هذه العبارة الخرافيّة. هذا إضافةً إلى ندرة العيون الزرق في المجتمع الشرقي، الأمر الذي جعلها مصدر خوفٍ وغرابة لدى الشعوب الشرقية، فحمّلتها مسؤوليّة ذلك".

بين النرجسيّة ومنطق العدائيّة

"هل للنرجسيّة علاقةٌ بإيمان الشخص بصيبة العين؟" تجيب قاعي أنه "عندما تصل طبائع البشر الى مرحلة الثقة المطلقة بالنفس وحبّ الذات، تؤدّي الى تكوين نظرة دونيّة للآخر، ما يعني أن الجميع يحسدهم ويغار منهم. في هذه الحالة، يتعاملون مع غيرهم بمنطق عدائيّ، ويؤمنون تالياً بصيبة العين من هذه الناحيّة. الّا انّ ليس جميع الذين يؤمنون بصيبة العين نرجسيين".

وعن التأثير النفسي على الشخص الذي يتّهم بصيبة العين، تقول: "قد يفرح المتهم بهذه الصفة، ويعتبرها ميزة وقوّة داخليتين، فيصدّق نفسه ويشرع إلى إيذاء الآخرين من طريق عينه "الفارغة". بعضهم قد يجد هذه التهمة تعدياً عليه، فيرفضها ويشجبها وينبذ من يؤمن بها ويسخر منهم". وفي سؤالٍ عن طبائع الناس الذين يؤمنون بقدراتهم في صيبة العين، تعتبر أن "هؤلاء قد يلجأون الى إيذاء غيرهم من طريق الفعل لا النظر ويحضّرون المكائد بطريقةٍ ماكرة".

طقوس قبليّة تؤدّي الى الشفاء

"لماذا يعتبر الذين يصابون بالعين أن طقوس محاربتها بسكب الرصاصة مثلًا تساعدهم على الشفاء؟"، ترجّح القاعي الموضوع الى "التأثير النفسي، حيث يصدّق الشخص أن أحدهم عمد إلى إيذائه بنظرته، فيهلع ويضطرب ويشعر بالقلق والصداع، الأمر الذي يشبه تسارع دقّات القلب والتوتر عند إعلان نتائج امتحان مثلاً. إعلان النتيجة كسكب الرصاصة ستشعر الإنسان بالراحة والطمأنينة".

وعن جذور طقوس سكب الرصاصة وسكب الشمع، تعتقد أن "هذه الممارسات عبارة عن طقوس قديمة شبيهة باعتقادات القبائل التي ترقص حول القمر وتغنّي لطرد الأرواح، ما يعيدنا الى حلقة النقاش الأولى التي تربط صيبة العين بالتبصير".

اللون الأزرق لحماية الصبيّ

لا تعتبر ظاهرة "صيبة العين" مجرّد اعتقاد سائد في لبنان. بل هي بحسب الأستاذة في علم النفس الإجتماعي، جمال باز "عبارة عن ظاهرة عالميّة موجودة في أوروبا وآسيا، إذ إن الخرزة الزرقاء التركيّة كبيرة جدًا بحجم الطاولة وهي تقليدٌ يوضع في المنزل. من هنا تجدر الإشارة الى علاقة هذه الظاهرة بعاملين هما الغرور وخوف الشعوب على مصيرها". وحول تسليم اللبنانيين بها، تعتبر أن "مجتمعنا الشرقي التقليدي يربطنا بتقاليد وموروثات قديمة، والأمر يطال المتعلمين أنفسهم الذين يتأثرون بالموروثات الاجتماعية". وعن علاقة اللون الأزرق بالموضوع، تشير الى أن "ارتباط ملابس الصبيّ بهذا اللون هو جزء من الاعتقاد بضرورة حمايته، الامر الذي أكسبه هذا الامتياز وربطه اليوم بهذا اللون الذي يعتبر شعارًا على ولادة الذكر، في حين أنه ابتكر لحمايته من الحسد والعين. أما الفتاة فلم تستحوذ على هذا الاهتمام سابقًا نظرًا لعدم الخوف عليها ما يشير الى ارتباط ملابسها بألوانٍ ثانية مختلفة".

تبقى "صيبة العين" اتهاماً طريفاً يثير البلبلة في المجتمعات التي تنام على حرير. يسردون تلك الأخبار وكأن الدنيا عندهم مختلفة عن العالم الذي يسابق الساعات في التطوّر. قد يكون جميلًا رؤية رصاصةٍ مسكوبةٍ في المياه. طقوسٌ على شاكلة سحر، أو استعراضٍ مسرحيّ. أما المتهم بالواقعة، فقد يكون ذنبه أن "عيونه زرق أو أسنانه فرق". الإشكالية تكمن في أن أصحاب العيون الزرقاء يتمتعون بجمالٍ مميّز، فإذا هم اتّهموا نظرياً "بالجريمة"... فمن يصيبهم بالعين؟