الأربعاء، 29 أكتوبر 2014

الفقر في السعودية إلى أين؟!

نساء يبحثن عما يسد رمق عائلاتهن وسط أكوام من القمامة، رجال مدوا أيديهم للغير طلبًا للطعام أو المال، أطفال بملابس رثة ووضع معيشي مأساوي، تلك المشاهد في بلد من أغنى بقاع الأرض، في مملكة الذهب الأسود، المملكة العربية السعودية التي يحسد الكثير من الناس ساكنيها على الرغد الكبير الذين ينعمون به!


يستهجن المختصين من معاناة أقوى اقتصاد في الشرق الأوسط – حقق فائضًا ماليًا قدره 55 مليار دولار فقط في 2013 – من فقر يصل إلى نسبة تصل إلى 25 % في أقل تقدير، ويرجع هؤلاء ذلك إلى خلل يتعلق بعدالة توزيع الثروة، فبيانات العوائد النفطية توضح أنها كافية لعيش كريم لكافة أفراد المجتمع السعودي والذي يصل عدد سكانه إلى 20.2 مليون نسمة.

الحكومة السعودية التي تتكتم عن حقيقة الفقر وسبق أن اعتقلت ثلاثة مدونين لنشرهم فيلمًا حول “الفقر في السعودية” قررت – وهي لا تعترف بالفقر – في الموازنة العامة للعام 2014 تخصيص مبلغ 29 مليار ريال سعودي (7.7 مليار دولار)، لبرامج معالجة الفقر.

فقر في الإحصائيات

خلال زيارة الملك عبد الله للأحياء الفقيرة عام 2002

غياب كبير لإحصائيات رسمية سعودية حول حقيقة “الفقر في السعودية “، فحتى تقرير التنمية البشرية العالمي لعام 2013 لم يشر لأية بيانات عن الفقر في المملكة العربية السعودية، سواء ما يخص فقر الدخل أو فقر الإمكانيات بالرغم من تناوله كافة البيانات الأخرى عن السعودية، التي جاء ترتيبها على مؤشر التنمية البشرية في المرتبة 57 من بين دول العالم التي شملها التقرير وعددها 186 دولة.

لذا فإن الأرقام التي تناولت مشكلة الفقر في السعودية نادرة. ومنها ما نشرت مؤخرًا حول تقديرات غير رسمية تشير إلى أن نسبة الفقراء في السعودية البالغ عددهم نحو 20 مليون مواطن، تصل إلى 25% من السعوديين، أي بما يعادل 5 ملايين مواطن. كما أشارت صحيفتا “واشنطن بوست” الأميركية و“الغارديان” البريطانية أن هناك ما بين 2 إلى 4 ملايين سعودي يعيشون تحت خط الفقر.

كما أنه حسب بيانات وزارة الشئون الاجتماعية في السعودية، هناك أكثر من 1.5 مليون سعودي يستفيدون من خدمات الضمان الاجتماعي الذي تقدمه الوزارة، وتمثل مخصصات الموازنة لمواجهة برامج معالجة الفقر والبرامج الأخرى التي يستفيد منها المهمشين اجتماعيًا بالمملكة نسبة 3.3% من إجمالي الإنفاق لنفس العام والبالغ 855 مليار ريال سعودي.

الفساد هو السبب


يؤكد المحامي والحقوقي السعودي وليد أبو الخير أن الفقر في السعودية يعني “الفساد” بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حيث أنه “من غير المعقول أن تعرف دولة تعتبر أكبر منتج ومصدر للنفط في العالم فقرًا بهذه الحدة”.

ويشدد أبو الخير في تصريح لموقع “راديو سوا” على أن هناك نخبة تستفيد من ثروات البلاد في حين أن غالبية الشعب لا تجد ما يكفي لسد حاجياتها”.

ويضيف وليد أبو الخير أن “هناك فجوة هائلة ما بين الفرد السعودي العادي وحكام المملكة وقال: “نحن نتكلم عن أناس تصنفهم مجلة فوربس من أغنى أغنياء العالم”، ويشير أبو الخير بأصابع الاتهام إلى “السلطة السياسية التي تتحكم بالقوة وبالبطش بكل موارد الدولة دون حسيب أو رقيب وتعاقب كل من سولت له نفسه فعل ذلك بالسجن”.

إخفاء الفقر

كاريكاتير حول الفقر في السعودية

رغم أن السلطات السعودية ما زالت لا تفصح عن بيانات رسمية حول معدل الفقر فيها إلا تخصيصها في الموازنة العامة للسعودية عن العام 2014، لمبلغ 29 مليار ريال سعودي – 7.7 مليار دولار- لبرامج معالجة الفقر والمخصصات السنوية المتعلقة بالأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة والضمان الاجتماعي يكشف حقيقة الفقر في السعودية.

وينفي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز تجاهل المسؤولين السعوديين للفقر في البلاد وسبق وأن قال في تصريح صحفي: “أن الحكومة تعترف بوجود الفقر وتعمل على الوفاء بالتزاماتها تجاه شعبها”. وذكّر بزيارة الملك عبدالله عندما كان وليًا للعهد عام 2002 للأحياء الفقيرة في الرياض!

ويؤكد بعض المتخصصين السعوديين أن البرامج الحكومية ليست كافية، وأن بعض أفراد العائلة المالكة يبدون اهتمامًا بتلميع صورة البلاد أكثر من مساعدة المحتاجين. وتقول الباحثة المتخصصة في برامج التنمية والفقر روزي بشير “إن الحكومة حريصة بما يكفي لإخفاء صورة الفقراء، والنخبة الغنية لا ترى معاناة الفقراء”.

الفقر المؤنث

أسرة سعودية فقيرة

واحدة من أهم الدراسات التي خصت “الفقر المؤنث” على وجه التحديد في السعودية، صدرت عن مؤسسة الملك خالد الخيرية وأعدّها مركز إيفاد للدراسات والاستشارات، تبرز الدراسة سمات الأنثى الفقيرة في المجتمع السعودي، ومن أبرزها انتشار الأمية وضعف التعليم وقلة فرص العمل أمامها وعدم وجود عائل بشكل مباشر أو غير مباشر.

وأظهرت الدراسة أن 10.5 % فقط من أفراد العينة يعملن، وهي نسبة منخفضة جدًا مقارنة بالفئة العمرية من 20 سنة إلى 50 سنة، تقول الأستاذة المشاركة في قسم الدراسات الاجتماعية بجامعة الملك سعود مجيدة الناجم: “من هنا نستطيع القول إن إحدى خصائص الأنثى الفقيرة أنها لا تعمل”. وترجع الناجم سبب انخفاض نسبة عمل المرأة، إلى انخفاض ما يتاح لها من فرص عمل في سوق العمل، وحصرها في وظائف ومهن محدودة جدًا، وهذا يحد من اتجاهها نحو العمل.

وأوضحت الباحثة أن بقاء المرأة دون عمل يعد إهدارًا للموارد البشرية من جهة وسببًا لفقرها وحاجتها من جهة أخرى، خصوصًا مع انخفاض مخصصات الضمان، والنقص في أعداد المدارس والمستشفيات والمراكز الصحية وانخفاض مستوى خدماتها عما يجب أن تكون عليه وفق المعايير العالمية لتحقيق الرفاهية الاجتماعية، فضلًا عن ارتفاع مستويات المعيشة نتيجة التحولات الاقتصادية.

خط الكفاية “الفقر”

مؤخرًا صدرت دراسة عن مؤسسة الملك خالد الخيرية تحت عنوان “خط الكفاية في المملكة العربية السعودية”، خلصت نتائجها إلى أن خط الكفاية “الفقر” للأسرة السعودية يبلغ 8926.1 ريال شهريًا، وهو مكوّن من مجموع المتوسطات الحسابية الشهرية لعشرة احتياجات رئيسة للأسرة (السكن، الأكل، الملبس، الرعاية الصحية، الحاجات المدرسيّة، حاجات الرضّع، الكماليات، المواصلات، الخدمات الأساسية، الترفيه).

يعتبر الكاتب عبد الحميد العمري في مقال له بعنوان “خط الكفاية “الفقر” في السعودية” نشر بصحيفة “الاقتصادية” أنّ الدراسة تعتبر من أهم الدراسات المسحية التي أُجريت في هذا الخصوص، ويقول الكاتب أنّ نتائج الدراسة، تكشف بجلاء الكثير من أوجه القصور التي يتحمّل مسؤوليتها الأجهزة الحكومية ذات العلاقة بمعيشة المواطن السعودي وأسرته، كما أنّها تبيّن ضرورة قصوى لإعادة تصميم وتأسيس العديد من السياسات الاقتصادية الراهنة المرتبطة بالعديد من متغيرات حياة المواطن وأسرته.

ويوصي الكاتب الجهات الحكومية في السعودية بأن تعجّل بتبنّي توصيات الدراسة من أجل تتحقق الفائدة المأمولة مطالبًا الجهات المعنيّة بالتحرك بخطوات أكثر جديّة تجاه القضاء على الفقر بأشكاله كافة، وحماية شرائح المجتمع السعودي التي تعانيه، وانتشالها منه على وجه السرعة.