الثلاثاء، 15 أغسطس 2017

ملابس داخلية وأزياء أنيقة مضادة للرصاص.. تعرّف على تصميماتها غير التقليدية في العراق

في ظل الخوف الذي يلفّ حياة العراقيين من كل جانب، إن بسبب السيارات المفخخة التي تنفجر في أي لحظة، أو العبوات الناسفة وهجمات المسلحين بالأسلحة الكاتمة للصوت وغيرها، بدأ المواطنون نساء ورجالا، يقبلون على شراء ملابس مدنية مضادة للرصاص، حيث تنتشر أزياء أنيقة خاصة لكلا الجنسين ولمختلف الفئات كالأطباء والمحامين ورجال الأعمال وشيوخ العشائر أيضاً.


فحياة العراقيين منذ الغزو الأميركي لبلادهم عام 2003 تغيّرت، فلا يكادون يخرجون من دوامة حتى يدخلوا في أخرى أشد فتكاً من سابقتها.

ولم يجد العراقيون بدلاً من الاعتماد على أنفسهم لحماية أرواحهم وأسرهم من الخطر عبر وسائل جديدة مثل كاميرات المراقبة المنزلية وأجهزة استشعار الحركة والكلاب البوليسية، إضافة إلى تقليل العراقيين لحركتهم في بعض الأماكن الخطرة تجنباً للعصابات المسلحة.

فانضمت اليوم الأزياء المدنية المضادة للرصاص -التي أصبح لها مراكز متخصصة للبيع- إلى قائمة الوسائل التي لجأ إليها العراقيون لحماية أنفسهم.

ويقبل على هذه الأزياء غير المسبوقة بتصميماتها الفريدة التي تناسب كل فئات المجتمع، أبناء المسؤولين في الحكومة العراقية ورجال الدين وشيوخ العشائر والأطباء والمهندسين والمدنيين بشكل عام.

وهي تشمل السراويل والقمصان والعباءات الرجالية وكلها مضادة للرصاص ولكلا الجنسين، بحسب ما ذكر تجار للسترات الواقية ومتخصصين بأنواعها وعناصر في شركات حماية أمنية خاصة في حديث لـ"هاف بوست عربي".

ولكن ما مدى قانونية هذه الأزياء المضادة للرصاص؟

وزارة الداخلية العراقية من جانبها لا تمنع بيع هذه الملابس كونها لا تعد مخالفة قانونية بل تدخل ضمن آليات الحماية الشخصية لأمن المواطنين والحفاظ على حياتهم.

وقال ضابط في وزارة الداخلية رفض ذكر اسمه في حديث لـ"هاف بوست عربي"، إن الملابس المضادة للرصاص "كانت تقتصر على الستر الواقية التي يرتديها عناصر الشرطة وأجهزة الأمن وقوات الجيش، لكن الأمر تطور إلى ملابس مدنية مضادة للرصاص دخلت البلاد حديثاً وهي من ضمن آليات الحفاظ على الحياة من الهجمات بالأسلحة النارية".

ويضيف الضابط أن "هذا النوع من الملابس لا يخالف إجراءات وزارة الداخلية من الناحية القانونية لأنها تدخل ضمن آليات الحفاظ على الحياة بسبب تزايد عمليات التصفية الجسدية والاغتيالات المنظمة التي تستهدف مواطنين أو رجال الدين وشيوخ العشائر والشخصيات المجتمعية ويمكن أن تقلل تلك الملابس من نسبة الوفيات على الأقل".

هل تحمي أصحابها حقاً؟

ووفق أطباء، فإن هذا النوع من الملابس يمكن أن يقلل نسبة الوفيات لدى الأشخاص المعرضين لهجمات بأسلحة نارية بنسبة 75 % وربما أكثر بالنسبة للهجمات التي تستخدم فيها أسلحة نارية خفيفة كالمسدسات ورشاشات الكلاشينكوف.

وفي هذا الإطار، يقول الطبيب ميثم الربيعي لـ"هاف بوست عربي" إن أغلب الوفيات التي تصل مستشفيات العاصمة بغداد مثلاً "تكون ناجمة عن الإصابة برصاص في الصدر أو البطن أو الظهر وبنسبة أقل في الرأس أي في المناطق القاتلة المكشوفة، ويمكن أن يقلل ارتداء ملابس داخلية أو خارجية مضادة للرصاص من نسبة الوفيات إلى حدود 75 % ".

وأضاف أن "هذه الملابس إذا كانت مصممة بمواصفات عالمية يمكن أن تقي مرتديها من الإصابات القاتلة بالشظايا الصغيرة الناجمة عن انفجار السيارات المفخخة أو العبوات الناسفة التي تضرب الأسواق والتجمعات السكانية بين حين وآخر".

رسائل أمنية خطيرة

في المقابل، اعتبر الخبير الأمني عبد الستار الجنابي أن دخول ملابس مدنية مضادة للرصاص إلى البلاد وتزايد الإقبال عليها من المواطنين له رسائل أمنية خطيرة.

فبحسب الجنابي إن "البلاد تعيش في فوضى أمنية عارمة لأن تنظيم داعش لايزال يسيطر على مناطق غرب ووسط البلاد، فيما تنتشر الميليشيات والعصابات المسلحة في العاصمة وباقي مدن غرب ووسط وجنوب العراق، وبالتالي يعيش المواطنون حالة من الخوف المستمر على مدار الساعة ويبحثون عن حلول بديلة للحفاظ على حياتهم".

وتابع قائلا لـ"هاف بوست عربي"، إن "وصول البلاد إلى مرحلة اضطرار المدنيين إلى ارتداء أزياء مضادة للرصاص دليل قاطع على غياب الأمن والقانون، وذلك يعني عجز الدولة عن حماية مواطنيها من جانب والأخطر من ذلك عجزها عن مطاردة الميليشيات والعصابات المسلحة أو القضاء عليها".

ويعزو الجنابي هذه الظاهرة إلى أسباب أخرى منها انتشار السلاح في عموم البلاد بشكل غير قانوني وغير مرخص.

ولفت إلى أن "العراق بلد عشائري وأصبحت أغلب العشائر تمتلك أسلحة تضاهي أسلحة الدولة فارتفعت نسبة الاغتيالات سواء لأسباب سياسية أو عشائرية أو طائفية، وأغلب عمليات الاغتيال تتم بأسلحة نارية متوسطة أو خفيفة كالمسدسات الكاتمة للصوت ورشاشات الكلاشينكوف ويمكن لهذه الملابس أن تقلل من خطر الموت بالنسبة للمستهدفين كرجال الدين والأطباء والأثرياء والشخصيات السياسية وغيرهم".

مواطنون بدورهم وجدوا في هذا النوع من الأزياء وسيلة للحفاظ على أرواحهم من الهجمات المحتملة في الشوارع والساحات العامة والأسواق.

وقال عمر الجبوري (33 عاماً) وهو من أهالي بغداد، إن هذه الأزياء لن تختلف عن الأزياء العادية فهي جميلة وأنيقة لكنها مضادة للرصاص وهذا يعني التنقل بحرية أكبر وتقليل نسبة الخوف والخطر في ذات الوقت.

ويضيف الجبوري لـ"هاف بوست عربي" قبل نحو ثلاثة أشهر "خرج صديقي إلى السوق ولدى محاولة عبوره الشارع توقفت سيارة مجهولة أمامه وأطلقت عليه الرصاص في صدره وتوفي بعد نقله إلى المستشفى ولو كان مرتدياً لمثل هذه الأزياء لربما كان حياً بيننا الآن".

100 فصيل

وكانت الحكومة العراقية أنفقت مطلع 2015 مع تصاعد العمليات العسكرية ضد تنظيم "داعش" في البلاد نحو 9 ملايين دولار أميركي على شراء خوذ وسترات واقية مضادة للرصاص لتجهيز الجيش العراقي ما اعتبره مراقبون زيادة كبيرة في حجم الإنفاق على السترات الواقية من الرصاص في البلاد لكن الأنظار تتجه الآن نحو الملابس المدنية الواقية من الرصاص.

وكان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي كشف منتصف عام 2016 عن وجود نحو 100 فصيل مسلح خارج القانون في العاصمة بغداد فقط ما يعده الخبراء كارثة أمنية غير مسبوقة في تاريخ العراق الحديث دفعت المواطنين لزيادة الإنفاق على أمنهم الشخصي.

وتزايد استهداف المدنيين حينما ضربت البلاد عاصفة من الاغتيالات بين عامي 2006 – 2008 مع اشتعال الفتنة الطائفية آنذاك راح ضحيتها أكثر من 100 ألف مدني في العاصمة وضواحيها ومدن وسط وجنوب البلاد بحسب تقارير أمنية سابقة واستهدفت رجال دين وشيوخ عشائر وأطباء ومهندسين وعلماء وخبراء وشخصيات عامة وقضاة ومحامين وطلبة ومدنيين.

ثم خفت وتيرتها بعد ذلك نسبياً حتى منتصف 2013 عندما عاد العنف مع تصاعد الاحتجاجات على سياسات رئيس الوزراء السابق نوري المالكي تلتها عمليات عسكرية مطلع 2014 مع ظهور تنظيم "داعش" وتشكيل ميليشيات شيعية مسلحة عرفت بالـ"الحشد الشعبي" لتعود عمليات التصفية الجسدية والاغتيالات المنظمة إلى البلد مجدداً.

وذكرت تقارير سابقة لمنظمات حقوقية ترصد المشهد الأمني في البلاد أن عمليات الاغتيال منذ عام 2003 طالت من العراقيين ما يزيد عن 350 عالماً في مختلف التخصصات وأكثر من 400 طبيب و141 أستاذاً جامعياً ونحو 103 محامين والعشرات من رجال الدين وشيوخ العشائر وآلاف المدنيين في مؤشر على حجم الخطر الذي يواجهه العراقيون.

واحتل العراق المركز الأول في مؤشر السلام العالمي كأخطر بلد في العالم عام 2014 تراجع إلى المركز الثاني منتصف 2015 ثم تراجع منتصف 2016 ليحتل المركز الثالث كأخطر دولة لكنه لا يزال يحتل مراكز متقدمة بين البلدان الأخطر على مستوى العالم بحسب تقارير سابقة لمؤشر السلام العالمي.