الأحد، 21 أغسطس 2016

المرأة التي سحرت العظماء.. من هي؟


ماذا يجمع بين الفيلسوف فريدريك نيتشه والشاعر راينر ماريا ريلكة ورائد التحليل النفسي سيغموند فرويد؟


عدا عن كونهم من الشخصيات المؤثرة التي طبعت القرن العشرين، فهناك امرأة شبه منسية ارتبطت بهم جميعاً، إن كان عن طريق الحب أو الصداقة أو الزمالة، امرأة استثنائية لم ينصفها التاريخ فجاءت السينما وإن متأخرة، لتعيد لها حقها وتسلط الضوء على امرأة عاشرت واحتكت بالكثير من المفكرين والفلاسفة، قرأت ودرست معهم، لكنها غالباً ما كانت تسرق قلوبهم وتمضي.

تلك المرأة هي لو أندرياس سالومة، المولودة سنة 1861 لأب روسي وأم ألمانية، ابنة وحيدة على خمسة أولاد، استطاعت منذ طفولتها امتلاك قلب والدها الجنرال الروسي، الذي شجعها على طرح الأسئلة ورفض المسلمات والتقاليد الجامدة. بكلمة "لماذا" بدأت حياتها وعلاقتها بالأم والمجتمع والكنيسة والله، ولم تتوقف عن استخدامها طوال حياتها. حياة لو سالومة بكل مراحلها وصخبها، كانت عنواناً لفيلم ألماني يحمل اسمها من إخراج الألمانية غوردولا كوبلز بوست، التي قالت إنها عثرت بالصدفة وهي مراهقة على كتاب يحكي سيرة لو سالومة، وشكلت هذه المرأة، بالنسبة لها، قدوة ومثلاً عن المرأة الحرة التي تكسر المحرمات وتقفز فوق الأسوار والحدود، بل حتى فوق الزمن فهي كما قالت كوبلز بوست تصلح لأن تكون ابنة لزماننا المعاصر، فمن هي لو أندرياس سالومة؟

هذا ما يحاول الفيلم الإجابة عنه، فيأخذنا في رحلة استكشاف للكاتبة والفيلسوفة والمحللة النفسية، بعيداً عن كليشيهة "الملهمة" أو "الفاتنة اللعوب"، فلو سالومة رغم جمالها لم تكن تمارس إغراءً غير إغراء ذكائها وعلمها وثقافتها.

يبدأ الفيلم في عام 1933 بمشهد حرق كتب سيغموند فرويد على أيدي النازيين، على اعتبار التحليل النفسي علماً منبوذاً، لأن مؤسسه يهودي، ثم منع لوسالومة وهي في مراحل عمرها الأخيرة من ممارسة عملها كمحللة نفسية وتلميذة لفرويد، ثم نعود معها في فلاش باك إلى الوراء وهي تملي مذكراتها على الشاب فايفة، الذي سيكون له في النهاية الفضل بالاحتفاظ بأوراق وكتب سالومة ونشرها بعد حرق مكتبتها وموتها.

لو سالومة الطفلة لا تكف عن القفز فوق الأشجار واللعب خارج أسوار البيت المخصص عادة للفتيات وألعابهن، علاقتها بالله تبدو منذ البداية علاقة حوار لا خضوع، الخيبة الأولى تعيشها الطفلة حسب تصورها، عندما يخلف الله بوعده لها بالإبقاء على والدها إلى جانبها مدى الحياة. موت الأب ترافقه قطيعة مع السلطة الدينية ورفض سالومة لتعميدها في الكنيسة، ونراها في مشهد خروجها غاضبة من الكنيسة وهي في عمر السادسة عشرة راكضة تحت المطر الصيفي، تاركة الكنيسة وراءها وكأنها تتحرر من سلطة الدين وتتعمد بالحريه إلى الأبد. ثم تقرأ على بطاقة بريدية ما كتبه لها والدها: "كوني أنت وحسب"… عبارة ظلت وفية لها طوال حياتها، لم تساوم على حريتها كما لم تساوم على قناعاتها وهي من قالت: "أنا وفية للذكريات لا للبشر".