الأربعاء، 13 يوليو 2016

"مقبرة الفلستيين"..آثار جديدة تفكُّ لغز أحد أسرار الكتاب المقدس



يبدو أن أحد أهم الألغاز التي يحتويها الكتاب المقدس وأكثرها غموضاً، على وشك أن ينسدل الستار عن حقيقته.

فقد اكتشف علماء الآثار للمرة الأولى مقبرة تنتمي إلى الفلستيين، الذين عاشوا بأرض فلسطين التاريخية في القرن 18 قبل الميلاد، فضلاً عن جثث 200 شخص آخرين كانوا مدفونين بالمقبرة. ومن المرجح أن يساعد كل هؤلاء في تسليط الضوء على الجماعة الأكثر غموضاً بصفحات الكتاب المقدس، بحسب تقرير نشرته صحيفة الإندبندنت البريطانية، الإثنين 11 يوليو/تموز 2016.

وقال العلماء إن أبناء تلك الأمة التوراتية لم يبدوا أنهم "فلستيون"، وذلك من خلال مجموعة البشر التي وجدوها مدفونة مع مجوهراتها وزيوتها العطرية. ويتوقع أن يجري العلماء اختبارات أكثر توسعاً مما قد يسلط ضوءاً أوضح حول تلك المجموعة التي شُوه ذكرها بالكتاب المقدس.

وقد تكون تلك الاكتشافات كافية لتغيير الطريقة التي يفكر بها اليهود والمسيحيون من أهل الكتاب عند سماع كلمة "فلستيين"، والتي تشير إلى مجموعة من البشر غير المثقفين، والذين لا يعلمون كثيراً عن الفنون.

وقال لورنس ستيجر، المعماري الذي قاد البعثة التي اكتشفت المقبرة منذ عام 1985 "يمتلك الفلستيون سمعةً سيئة، وسوف يبدد ذلك الاكتشاف كثيراً من الخرافات".

وحتى تلك اللحظة، نبع معظم فهمنا حول الفلستيين من الأشياء التي تركوها خلفهم، لكننا الآن صار لدينا بقايا أجسادهم وممتلكاتهم.

وقال الدكتور دانيال ماستر، أستاذ الآثار بكلية ويتون، وهو أحد قادة عملية التنقيب "بعد عقود قضيناها في دراسة ما ترك الفلستيون خلفهم، صرنا أخيراً أمام تلك المجموعة من البشر وجهاً لوجه. فقد اقتربنا من فتح خزانة الأسرار المتعلقة بأصلهم بعد هذا الاكتشاف".

ويصوّر الكتاب المقدس الفلستيين بأنهم ألد أعداء بني إسرائيل، فهم مجموعة من شعوب البحر الغرباء على أرض كنعان، والذين هاجروا من الغرب واستقروا بخمس مدن رئيسية في فلستة، وهي المنطقة التي تمتد اليوم بين جنوب إسرائيل وغزة.

ويعد جالوت أشهر الفلستيين، فهو المقاتل المهيب الذي قُتل على يد الملك الصغير داود. واستمر تراث الفلستيين في التواجد من خلال اسم "فلسطين"، الذي أطلقه الرومان على تلك المنطقة في القرن الثاني، والذي يستخدمه اليوم الفلسطينيون.

وقد أسدل الستار أخيراً عن الاكتشاف يوم الأحد من خلال التنقيب الذي نفذته "بعثة ليون ليفي الاستكشافية"، والتي يبلغ عمرها حوالي 30 عاماً، وهي عبارة عن فريق من علماء الآثاء من جامعة هارفارد، وكلية بوسطن، وكلية ويتون بولاية إلينوي، وأيضاً جامعة تروي بولاية ألاباما.

وقد احتفظ علماء الآثار بسر ذلك الاكتشاف لثلاثة أعوام لحين الانتهاء من عملية الحفر، بسبب أحد المخاطر الفريدة التي تواجه عمليات الكشف الأثرية في إسرائيل المعاصرة، والتي تكمن في أنهم لا يرغبون في لفت أنظار المعترضين على تلك العمليات من اليهود الأرثوذوكس المتشديين، وذلك حسب ما يقول ماستر.

كما أوضح قائلاً "كان علينا أن نبتلع ألسنتنا كي نبقى صامتين لفترة طويلة".

ففي الماضي تظاهر اليهود الأرثوذكس المتشددون ضد عمليات التنقيب التي وجدت جثثاً بشرية، إذ قالوا إن تلك الجثث قد تكون جثثاً ليهود، وأن إزعاجهم قد ينتهك التحريم الديني حول ذلك.

وحفر فريق ستيجر لثلاثة أمتار كي يكشفوا تلك المقبرة، والتي اكتشفوا أنها استخدمها الرومان لقرون فيما بعد، حقلاً لزراعة الكرم.

وأزال العمال، على قدم وساق، طبقات من التراب كي يكشفوا العظام الواهنة البيضاء للهياكل العظمية الكاملة للفلستيين، بدون تغيير وضعها الذي كانت عليه منذ ثلاثة آلاف عام.

ويُعتقد أن الأواني المزخرفة التي وجدت في المقابر كانت تحتوي على زيوت عطرية. كما أن بعض الأجساد كانت لا تزال ترتدي الأساور والأقراط، وبعضها كان يحمل أسلحة.

واكتشف علماء الآثار أيضاً بعض عمليات حرق الجثث، التي يقول عنها فريق البعثة إنها كانت باهظة الثمن خلال تلك الفترة، كما احتوت بعض الأباريق الكبيرة على عظام لرضّع.

وقال ستيجر "إن الحياة متعددة الجنسيات في ذلك المكان تبدو أنيقة وعالمية ومتصلة بمناطق أخرى من شرق البحر المتوسط"، مضيفاً أن ذلك الأمر مغاير لنمط الحياة القروي البسيط الذي اعتاده الإسرائيليون الذين سكنوا التلال في الشرق.

وطالما اعتقد علماء الآثار وعلماء الكتاب المقدس أن الفلستيين جاؤوا من منطقة بحر إيجه، مستدلين في تلك الفرضية على الأواني الفخارية التي اكتشفوها خلال عمليات التنقيب التي أجروها بمواقع الفلستيين.

بيد أن العلماء اختلفوا حول المنطقة التي قدم منها الفلستيون في منطقة بحر إيجه، سواء من قلب اليونان، أو من جزيرة كريت وقبرص، أو حتى من الأناضول بأراضي تركيا الحالية.

وقال يوسي جارفينكل، الخبير الإسرائيلي حول تلك الفترة، والذي لم يشارك في عملية التنقيب، إن العظام قد تحمل الإجابة على ذلك السؤال، إذ وصف جارفينكل اكتشاف المقبرة بـ "الاكتشاف الهام للغاية بكل تأكيد".

وفضلاً عن ذلك، سلّط التنقيب عن تلك المقبرة الضوء على طقوس الدفن التي كان يمارسها الفلستيون.

فقد اعتاد الفلستيون دفن موتاهم مع قوارير العطور التي كانت توضع بالقرب من وجوههم. كما كانوا يضعون قوارير بالقرب من أرجلهم، والتي يرجح أنها احتوت على زيت أو طعام أو خمر.

وفي بعض الحالات الأخرى، اكتشف علماء الآثار أن جثث الموتى دُفنت وهي ترتدي القلائد والأساور والأقراط، والخواتم التي توضع بأصابع القدم أيضاً، بالإضافة إلى بعض الجثث التي دُفنت ومعها أسلحة.

يقول آدم أجا، أحد علماء الآثاء المشاركين في التنقيب "هكذا كان يعامل الفلستيون موتاهم، وإن ذلك يعد الكتاب الذي يحمل الرمز اللازم لفك شفرة كل شيء آخر".

وانتقلت الآثار التي اكتُشفت بالمقبرة يوم الأحد إلى أحد معارض متحف إسرائيل، والذي يقام بمتحف فلسطين للآثار، والمعروف أيضاً باسم متحف روكفلر، الذي يقع في القدس.