السبت، 23 سبتمبر 2017

يعتبرون أنفسهم أقدم ديانة توحيدية.. ماذا تعرف عن طائفة الصابئة المندائية؟

لم يتفق الباحثون على تعريف محدد وثابت للتاريخ، فرغم توارث فهمه على أنه سجلّ لأعمال الإنسان باعتباره الفاعل الأبرز في هذا الكون، لم يتم الاتفاق على تفاصيل بناء هذا السّجل، وهو ما دفع لظهور مدارس مُختلفة للتأريخ والتاريخ.


وجرت العادة أن يستقرئ المُؤرّخون بعض ملامح الأحداث الماضية من خلال تحليل ما يُكتشف من آثار وما توفره من معطيات، سواءٌ في بنيتها أو بما تحمله من معلومات مكتوبة أو مُصوّرة. ومن بين الأساليب التي حُفظ بها التاريخ ونُقل بها منذ قرون عديدة أيضا المُشافهة أو ما يُعرف بالتاريخ الشفهي، وهو عبارة عن روايات وقصص تتوارثها الأجيال جيلًا بعد جيل، خاصّة إذا سلمت سلسلة النقل من الكسر لسبب أو لآخر.

ورغم أن الإنسان كان مُنذ الأزل حريصًا على تخليد قصصه ونقلها للاحقين، إلا أن هذا الحرص يكون مُضاعفًا لدى الأقليات الدينية والإثنية، باعتبارها تستشعر دائمًا، بحكم القلة العددية، أن ثقافتها وكينونتها مُهدّدة.

في هذا التقرير، نسلّط الضوء على إحدى الأقليات الضاربة في القدم، والتي نجحت رغم قدمها – إلى حد الآن – في مواصلة روايتها لقصصها لتكون بمنزلة التاريخ الناطق، وهي أقلية الصابئة المندائية التي سنتعرف عليها باعتبارها ظاهرة ثقافية اجتماعية وإرثًا حضاريًّا تاريخيًّا، بعيدًا عن سجالات الحلال والحرام والكفر والإيمان التي لها فرسانها.
جذور النشأة واللغة والمُعتقد

اختلف المؤرخون في أصل الصابئة المندائيين ونشأة دينهم ومصادره الأولى، ونشأت في ذلك نظريتان: فأمّا الأولى فترجّح أنهم من سكان ما بين النهرين القدماء، وتقول بأنهم ورثوا الكثير من الميثولوجيا البابلية، ولكنهم تأثروا باليهودية بحكم تجاورهم مع اليهود التي كانت تسكن ما بين النهرين، وقد تأثروا بالمسيحية من خلال الاحتكاك بالنساطرة المسيحيين – النسطورية هي المعتقد الديني المسيحي الرافض لمجمع أفسس المعقود سنة 431 م-.

وأمّا الثانية فتقول بأن منشأهم كان في الغرب، في منطقة البحر الميت – فلسطين حاليًّا – أو في شرق الأردن حيث كانوا يمارسون شعيرة التعميد هناك، قبل أن يتحوّلوا لجنوب العراق. وعلى العموم؛ هناك إجماع على أن الصابئة المندائية هي آخر الطوائف الصابئة التي حافظت على بقائها حتى الآن، ويتواجد معتنقوها أساسًا في جنوب العراق وإيران واتخذوا من ضفاف الأنهار موطنًا لهم لارتباط طقوسهم الدينية بالماء الجاري – اليردنا -.

فيما يخصّ الجانب الديني؛ يُعرّف المندائيون أنفسهم على أنهم أقدم ديانة موحدة عرفتها البشرية فهم يُؤمنون بالله كما يؤمنون بالنبي آدم عليه السلام وشيت وسام بن نوح وإبراهيم الخليل وأخيرًا بالنبي يحيى بن زكريا «يوحنا المعمدان» وهو آخر أنبيائهم.

وتدعو الديانة الصابئية للإيمان بالله ووحدانيته مطلقًا، لا شريك له، واحد أحـد، ومن جملة أسمائه الحسنى، والتي لا تحصى ولا تـُعـَـد «الحي العظيم، الحي الأزلي، المزكي، المهيمن، الرحيم، الغفور».

وتقول المندائية «إن الله الحي العظيم انبعث من ذاته وبأمره وكلمته تكونت جميع المخلوقات والملائكة التي تمجده وتسبحه في عالمها النوراني، وإنه كذلك بأمره تم خلق آدم وحواء من الصلصال عارفين بتعاليم الدين الصابئي وقد أمر الله آدم بتعليم هذا الدين لذريته لينشروه من بعده».

ويعتمد الصابئة المندائية في أداء طقوسهم على اللغة المندائية وهي اللغة التي دوِّنت من خلالها كتبها الدينية. وتصنف اللغة المندائية الكلاسيكية على أنها الفرع الآرامي الشرقي النقي إذ تتميز بصرامتها وعدم تأثرها بأي لهجة أخرى من ناحية القواعد.

وللغة المندائية نسخة عامّية أو محكية وتُسمّى «الرطنة» وهي التعبير الدارج الذي يستخدمه المندائيون في حياتهم اليومية، وهي لهجة في طريقها للانقراض باعتبار أن استعمالها اقتصر على مندائيي الأهواز عكس مندائيي العراق الذين يستخدمون اللهجة العراقية الدارجة.

الكتب المُقدّسة

للصابئة مجموعة من الكتب التي تنظم لهم طقوسهم، وشعائرهم وتنقسم تلك الكتب إلى ثلاث مجموعات وهي:

المجموعة الأولى: أجزاء التعاليم الدينية وتتكون من:

«كنزا ربا» (الكنز الكبير) ويقول المندائيون إنه صحف آدم عليه السلام، فيه موضوعات كثيرة عن نظام تكوين العالم وحساب الخليقة وأدعية وقصص، وتوجد في خزانة المتحف العراقي نسخة كاملة منه. طبع في كوبنهاجن سنة 1815م، وطبع في لايبزيغ سنة 1867م.

يتألف «الكنزا ربا» من قسمين اثنين: كنزا يمينا (الكنز اليمين) ويحتوي على التعاليم والوصايا والتحذيرات وعلى قصص الخلق والتكوين والنشوء وعلى صحف آدم وشيتل (شيث) بن آدم ودنانوخت (إدريس) وعلى قصص بعض الملائكة. وكنزا سمالا (الكنز الشمال) ويحتوي على مجموعة من التراتيل وعلى مجموعة من القصص الخاصة برجوع وعروج النفس إلى موطنها الأصلي الذي نزلت منه (الما دنهورا-عالم النور).

المجموعة الثانية أجزاء المراسيم والطقوس الدينية

من بينها «سيدرا إد نشماثا» (كتاب الأنفس) والذي يهتم بطقوس المصبتا (التعميد المندائي)، ومراسيم الزواج. و«القلستا» وهو كتاب حول الأدعية والتراتيل والصلوات، ويشمل كل ما جاء بتراتيل ونصوص الصباغة (التعميد) الصابئية، وتراتيل، الزواج و«قداها ربا» ويعني الصلاة العظيمة أو طلب التوسل العظيم، بالإضافة إلى «الف وتريسار شيّاله» ويتضمن الأخطاء التي يرتكبها رجل الدين ويتناول في جزء منه التقويم المندائي السنوي ومراسيم الزواج وطقوس الصباغة، و«نياني اد رهمي» وهو كتاب خاص بالأدعية والصلوات الرسمية وغير الرسمية.

المجموعة الثالثة: أجزاء المعرفة والعلم والتاريخ

وهما «أسفر ملواشة» أو كتاب تحديد أوقات الشر التي يواجهها الناس والمدن و«حران كويثا» الذي يستعرض هجرة بعض الناصورائيين (الاسم الأول الأقدم للمندائيين). يتضمن «حران كويثا» أيضًا بعض التواريخ للأحداث الفلكية السابقة وكذلك اللاحقة.

تراتبية المنظومة الدينية لدى المندائيين

يشترط في رجل الدين المندائي أن يكون سليم البنية الجسدية، متزوجًا وله أبناء، وغير مختون، وله كلمة نافذة في شؤون الطائفة كحالات الولادة والتسمية والتعميد والزواج والصلاة والذبح والجنازة، ورتب